ماذا لو استيقظنا بعد 25عاماً!؟
قبل أيام قرأت قصة غريبة عن عامل بولندي غاب عن الوعي طوال 19عاما .. ففي عام 1988تعرض يان جرازيبسكي إلى حادث خطير
تسبب بدخوله في غيبوبة عميقة لم يتوقع حتى الأطباء خروجه منها.. وحين دخل المستشفى كانت بولندا تعيش في مرحلة غليان تحت حكم شيوعي مغلق وقمعي .
وكانت الحياة فيها شحيحة، والمواد غير متوفرة، وحرية الرأي مكبوتة، ولا توجد فيها غير محطتين مملتين تديرهما الدولة.. ولكن الأمور تغيرت بسرعة منذ ذلك الحين
واستيقظ جرازيبسكي ليجد بولندا تغيرت فجأة وأصبحت دولة ديمقراطية تتمتع باقتصاد حر يملك الناس فيها حرية الكلام والتصرف والسفر إلى الخارج!!
ومن الأشياء التي قالها جرازيبسكي لقناة (تي. في. إن. 24): حين دخلت في غيبوبة لم يكن يوجد في المتاجر سوى الشاي والخل
وكان اللحم يوزع بالحصص والطوابير الكبيرة تمتد أمام الجمعيات ومحطات البنزين، أما الآن فأرى سيارات فارهة ومتاجر ضخمة وشباباً يحملون كمبيوترات صغيرة وهواتف في جيوبهم
وهذا أمر يصيبني بالدوار وكثيراً ما أسأل زوجتي هل نحن في بولندا فعلا !؟
.. ورغم أن 19عاماً ليست بالعمر الطويل في حياة الشعوب؛ ولكنها أيضاً دليلٌ على أن إرادة التغيير يمكنها فعل الكثير خلال فترة قصيرة..
ففي حين تختار بعض الشعوب التعلق بالماضي أو الثبات على حالها (ربما لعدة قرون) يخرج البعض فجأة من شرنقة السبات والركود ويحلق عالياً خلال عقد أو عقدين فقط ..
وهذه القفزة النوعية والسريعة لا تتطلب أكثر من توفر (حرية حقيقية) تفجر في المجتمع الطاقات الإيجابية المكبوتة التي لم تجد فرصتها إلى الآن.
والقفزة النوعية السريعة التي نشاهدها اليوم في الاقتصاد الصيني والروسي والبولندي نتيجة متوقعة لطاقات بشرية كامنة (كانت مكبلة ومكبوتة) حين توفرت لها الحرية
قفزت بالبلاد خطوات سريعة ونوعية.
وفي المقابل (وفي الفترة القصيرة التي حققت فيه بولندا قفزات نوعية سريعة) تراجعت دول كثيرة في سلم الحرية الاقتصادية والسياسية والمدنية
مثل أفغانستان والعراق ولبنان وكوريا الشمالية وكافة الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى!!
ورغم أن وضعنا في السعودية أفضل من دول كثيرة حول العالم (حسب سلم التنمية الصادر من الأمم المتحدة) إلا أنني تساءلت من وحي القصة البولندية:
ماذا لو نام أحدنا ل 19عاماً (أو حتى 25عاماً) ثم استيقظ فجأة!!؟
هل سيفاجأ بأننا أصبحنا أكثر رخاء أم فقراً.. هل سيفاجأ بتأخرنا أم تقدمنا في سلم الانفتاح والحرية الشخصية!؟.. هل سيكتشف تفعيلاً حقيقياً لمؤسسات المجتمع المدني
أم بقاءها مجرد "ديكور" وطني!؟.. هل سيلاحظ اختفاء الأمية، وانخفاض مستوى البطالة، ووفرة المقاعد الجامعية، وتمتع المرأة بمزيد من الاستقلال والحرية..
أم سيستيقظ في مستشفى مليء بالصراصير ويفاجأ بتراجعنا وتخلفنا عن بقية العالم؟!